أحاديث بر الوالدين في الإسلام

أحاديث في بر الوالدين

يُعتبر بر الوالدين من أعظم القيم التي حثَّ عليها الإسلام في القرآن الكريم والسنة النبوية. فهو ليس مجرد واجب ديني بل هو من أكبر أسباب رضا الله سبحانه وتعالى، ومن أسس بناء المجتمع الإسلامي القوي والمتماسك. وقد وردت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي توضح أهمية بر الوالدين وتحث على المعاملة الحسنة لهما، بل وتعدّ هذا البرّ طريقًا للخلود في الجنة. في هذا المقال، سنتناول معاني بر الوالدين في الإسلام من خلال الأحاديث النبوية الشريفة، مع شرح دلالاتها وأثرها في حياة المسلم.

1. بر الوالدين في القرآن الكريم

قبل أن نستعرض الأحاديث النبوية الشريفة في بر الوالدين، يجب علينا أولاً أن نُذكّر بأن القرآن الكريم قد أكّد على أهمية بر الوالدين في آيات عديدة. فقد وردت الآية الكريمة:

{وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا} (الإسراء: 23)

تُظهر هذه الآية الكريمة عظم مكانة الوالدين في الإسلام، إذ يُوصي الله سبحانه وتعالى بإحسان المعاملة معهما، ويمنع المسلم من حتى مجرد إظهار الضيق أو التذمر منهما بقوله “فلا تقل لهما أف”. الأمر الذي يعكس ما يجب على المسلم تجاه والديه من احترام وتقدير ورعاية.

2. أهمية بر الوالدين في السنة النبوية

تحتل أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم مكانة كبيرة في تفسير وتوضيح ما جاء في القرآن الكريم حول بر الوالدين. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث التي تبين فضل بر الوالدين وكيفية التعامل معهما. من أهم هذه الأحاديث:

2.1 الحديث الأول: حديث عبد الله بن مسعود

روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: “يا نَبِيّ اللهِ، أَيُّ الأعمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: إيمانٌ باللهِ، وجهادٌ في سَبيلِهِ، قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ، قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: أن تَجْلِسَ قُدَمِي الوالِدَيْنِ” (صحيح مسلم)

يُبيّن هذا الحديث أن بر الوالدين يعدّ من الأعمال التي تقرب المسلم إلى الجنة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يجعل بر الوالدين في مرتبة عالية جدًا بعد الإيمان بالله والجهاد في سبيله. يظهر في الحديث التأكيد على ضرورة البر بالوالدين، خاصة إذا كان أحدهما أو كلاهما في حاجة ماسة إلى الدعم والرعاية.

2.2 الحديث الثاني: حديث عبد الله بن عباس

قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: “أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليهِ وسلم قال: إنَّ من أَبَرِّ البِرِّ صِلَةُ الرَّجُلِ أَهْلَ دَارِهِ وَصِلَةُ الوَالِدَيْنِ” (صحيح الترمذي)

هنا، يشير الحديث إلى أن من أعظم الأعمال البرِّ هو صلة الوالدين، سواء كان ذلك من خلال مساعدتهما في الحياة اليومية أو إظهار المحبة والاحترام لهما. ويُذكر في الحديث أيضًا أن البر بالوالدين لا يقتصر فقط على أفراد الأسرة بل يمتد ليشمل برّ المجتمع ككل.

2.3 الحديث الثالث: حديث عبد الله بن مسعود (مرّة أخرى)

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “رَأيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أَقبلَ مِن الصَّلاةِ وهو يَنشَجُ: فقلتُ: ما لكَ يا رسولَ اللَّهِ؟ فقالَ: ذرفتْ عينايَ لَيْلَتَنا هَذهِ، فقالَتْ حَجَّتِي أُمِّي، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، فَأَعُوذُ بِاللَّهِ أنْ يَرْجِعَ اللَّهُ في غَيْرِه، فبَكَى تَكَلَّمَ في مَواقِعِ الشَّكوى.”

يستعرض هذا الحديث الشّعور العميق بالحزن الذي مرّ به الرسول الكريم عندما تذكّر أمه التي توفّيت في صغره، وهذا يظهر لنا حُبّه العميق لوالديه ويُرشد المسلم إلى ضرورة الحزن عليهما في حال فقدهما وعدم نسيانهما.

2.4 الحديث الرابع: حديث عن البر والإحسان

روى الإمام البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُعمر له في أثره فليصل رحمه.” (صحيح البخاري)

يشير هذا الحديث إلى أن صلة الرحم وخصوصًا بر الوالدين لهما آثار إيجابية على حياة المسلم. فالبر بهما يفتح له أبواب الرزق ويطيل في عمره. وهذا يُعتبر حافزًا مهمًا للمسلمين للاهتمام والعناية بوالديهم.

3. البر بالوالدين بعد موتهما

إن البر بالوالدين لا يقتصر فقط على حياتهما، بل يمتد أيضًا بعد موتهما. وقد ورد في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: “إنَّ من أبرّ البرِّ صلةُ الرجلِ أهلَ ودِّ أبيهِ بعد أن يُوَلِّيَ” (صحيح مسلم)

هذا الحديث يوضح أن البر بالوالدين لا يتوقف عند وفاتهما. بل يظل من البرّ أن يظل المسلم يُحسن إليهما بالدعاء والاستغفار لهما بعد وفاتهما. يمكن أن يتجسد البر أيضًا في صلة الأقارب الذين كانوا على علاقة طيبة مع الوالدين قبل وفاتهما.

4. فضل البر بالوالدين على باقي الأعمال

في العديد من الأحاديث، يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن البر بالوالدين له فضل عظيم، وقد يصل إلى مرتبة عالية في الدين. فقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “سألتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقلتُ: أيُّ الأعمالِ أقربُ إلى الجنةِ؟ قالَ: الصلاةُ على مواقِيتِها، قالَ: قلتُ: وماذا يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ” (صحيح مسلم)

وهذا الحديث يؤكد على أن بر الوالدين من أعظم الأعمال التي تُقرب المسلم إلى الجنة. فإن كان البر بالصلاة أولًا في المراتب، فإن بر الوالدين يأتي في المرتبة الثانية.

5. الوعيد الشديد لمن يعقّ والديه

لم يغفل النبي صلى الله عليه وسلم عن تحذير المسلمين من العقوق أو إهمال بر الوالدين. فقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة” (صحيح مسلم)

في هذا الحديث نجد وعيدًا شديدًا ضد من لا يُحسن إلى والديه رغم بلوغهم مرحلة الكبر. فهذا الوعيد يوضح مدى أهمية بر الوالدين في الإسلام، وأن من يتجاهل هذه الوصية قد يعرض نفسه لخطر عظيم.

6. خاتمة

بر الوالدين ليس مجرد فعل يتوجبه المسلم على نفسه بل هو عبادة عظيمة تعكس قوة العلاقة بين الإنسان وأبويه. ففي الأحاديث النبوية الشريفة يظهر جليًا أن بر الوالدين له فضل عظيم في الدنيا والآخرة، ويعود على المسلم بثمار طيبة مثل الرزق والبركة في العمر. كما أن بر الوالدين يعد من أبرز ألوان الإحسان التي تُقرب العبد من ربه.